الأحد، 10 مايو 2009

رفقا بالمرافق

تقودونا الشواهد إلي تصديق شائعات خصخصة جزء من مرفق النقل العام من البديهي أن هذا المرفق يحقق مكاسب ولكن الاوضاع معكوسة في هذا المرفق بالتحديد.فنجد مثلا أن شركات النقل الجماعي الخاصة تحقق أرباحا لا بأس بها و تعطي سائقيها مرتبات مرتفعة نسبيا بالرغم من أنها لا ترتقي خدماتها للمستوي المطلوب. أضف إلي ذلك الميكروباصات التي من الصعب أن ترى شارعا في مصر ضاق أو وسع لا يكتظ بالعشرات منها.. هذه المشاريع تحقق دخلا كبيرا فأصحابها يبدأون بسيارة بالقسط ثم بعد أعوام قليلة يمتلكون أكثر من ميكروباص يصول و يجول في شوارع القاهرة و في الضواحي بل في المحافظات أيضا.. العارفون ببواطن الأمور نصحوا الحكومة بإنتهاج سياسة وضع بخور في الأوتوبيسات العامة علي أن يلتزم السائق بوضع حبة زرقاء في مكان بارز في الأوتوبيس. ولكن يبدو أن هذه الحلول لا تروق للحكومة وفضلت ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد أولها التخلص من أعباء مرفق النقل العام فهم يشتكون من السيارات المعطلة و قطع الغيار غير الموجودة و المرتبات المتدنية.
العصفور الثاني هو إراحة المواطن من عذاب إنتظار الأتوبيس لمدة تتراوح ما بين ساعة إلا ما لا نهاية.. وهذا حق فقد يكتفي السائق بعمل عدد محدود من المشاوير في وردية الليل ثم يقوم بتغير مساره ويعود للجراج في ميعاده المحدد وعلي المواطن الإنتظار لوردية السادسة صباحا إذا كان من المنتظرين في فترة من الحادية عشر للثانية عشر ليلا.وهذا أيضا فيه صيانة لكرامة المواطن الذي يتشاجر في الأوتوبيس يوميا ما لايقل عن خمس مرات في المشوار الواحد.. هذا إذا وصل لوجهته سالما غانما.. أما إذا أخذه الأوتوبيس في جولة حرة قافزا من فوق كوبري أكتوبر مثلا أوغارقا في مياه النيل ققي هذه الحالة لن يصبح عند الحكومة شهيدا ولن يتمكن من أخذ تعويض.
العصفور الثالث هو حل أزمة المرور التي لا يبدو في الأفق حل حاسم لها رغم أن الصين مثلا يفوق عدد مواطنيها عدد سكان مصر أكثر من عشرة أضعاف و مع ذلك لا تعاني من أزمة مرورية.
و السؤال الذي لا فائدة من طرحه .. أين الهيئات الرقابية و التخطيطية ولماذا لا تناقش بإسلوب علمي و تبحث عن مواطن الضعف و الفساد في مرفق النقل العام الذي يمكن تحويله من مرفق يكبد الحكومة خسائر إلي هيئة تدر ربحا.وقبل أن نغوص في سؤال أين المشكلة.. يتعين علينا إنعاش ذاكرتنا بتجربة فريدة غير مسبوقة وقعت أحداثها في خمسينيات القرن الماضي وهي تجربة عبد اللطيف أبو رجيلة. و أبو رجيلة هو مصري من الصعيد درس في إيطاليا بدأ حياته العملية برأس مال لا يتعدي 34 جنيها.في عام 1954 قام أبو رجيلة بإنشاء أتوبيس للنقل العام في القاهرة وكان يركب هذا الأوتوبيس حوالي 13 مليون راكب شهريا وحققت الشركة مكاسب طائلة وكانت تتمتع أوتوبيسات أبو رجيلة بالنظافة الملفتة للنظر و المعاملة الحسنة من قبل السائق و المحصل بالإضافة إلي مواعيد الوصول الدقيقة. يذكر أن أبو رجيلة كان يقوم بالتخفي و يركب أوتوبيساته مرة كل شهر ليعرف كيف يتعامل السائق و المحصل مع الركاب ومع المركبة.
وصل عدد ما تملكة الشركة إلي حوالي 450 أتوبيسا وفي الستينات خصخصت الشركة و إستمرت في نموها إلي أوائل السبعينات حيث بدأت رياح الخسائر و تدني الخدمة تهب علي الشركة حتي وصلت لأقصى مستوى متدن والذي نراه الأن.إذا هناك خيط يمكن التعلق به للوقوف علي أسباب الخسائر الفادحة.ليس من العيب أن تستخدم الحكومة ما تملكه الدولة لضخ أموال لبناء إقتصاد وطني قوي.. لكن العيب هو أننا لا نعرف لماذا نبيع هذه المؤسسة بالتحديد أو هذه الهيئة و السبب الظاهر هو أنها تخسر. لماذا لا تضع خطة لتحويل الخسائر لأرباح و تلهث وراء الخصخصة و الموارد السريعة.
قد نجد أنفسنا في يوم ما لا نملك ما نخصخصة خاصة إذا فكرت الحكومة في تخصيص كل ما هو قابل للتخصيص مثل نهر النيل و الأهرمات الثلاثة. لا نستطيع بأي حال من الأحوال تغيير واقعنا إلا إذا تمكنا من فهم أخطائنا و التعلم منها.. في هذا الوقت ستتاح لنا فرصة تغير أنفسنا و أنماط حياتنا ومن ثم تغيير ما حولنا.
مجلة حريتي
ملحق ميني حريتي
12 أبريل 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق